في أحد الأيام المزدحمة بمشاكل الرعية، وبينما كان السلطان منشغلًا في قصره يتابع أمور الحكم، ظهرت بقرة عند بوابة القصر، تثير الفوضى بصوتها العالي وهي تصرخ:
“أنا هنا لمقابلة السلطان! أرسلوا له خبرًا بأن بقرة تطلب المثول بين يديه”.
حاول حراس القصر تهدئتها وإبعادها، لكنها أبت التحرك، ووقفت أمام البوابة شامخة، تخور بصوت عالٍ:
“لن أخطو خطوة واحدة حتى أواجه السلطان بنفسي!”.
في حيرة من أمرهم، أرسل رئيس البوابين رسالة إلى السلطان يقول فيها:
“مولاي، بقرة من رعيتك تطلب المثول أمامك. يبدو أنها لن تغادر إلا بعد أن تراك”.
ابتسم السلطان قليلاً وقال:
“دعها تدخل، لنرَ ما لديها من أمرٍ مهم يجعلها تقف عند أبواب قصرنا”.
دخلت البقرة إلى قاعة العرش بخطوات واثقة، ووقفت أمام السلطان بثبات، وقالت:
“مولاي السلطان، سمعت أنك توزع الأوسمة هذه الأيام، وأرى أنني أحق بوسام”.
ارتفع حاجبا السلطان دهشةً وسألها:
“وسام؟ ولماذا يا بقرة؟ ما الذي قدمته للوطن كي تستحقي ذلك؟”.
أجابت البقرة بثقة:
“مولاي، ما الذي لم أقدمه للوطن؟! أنا التي تأكلون لحمي في ولائمكم، وتشربون حليبي يوميًا، وتلبسون جلدي في الشتاء القارس. حتى روثي، لم يُترك هباءً، بل يُستخدم لتسميد حقولكم. فإذا كنت أنا، بكل هذه العطايا، لا أستحق وسامًا، فمن يستحقه إذن؟”.
أخذ السلطان يتأمل كلامها مليًا، وأدرك أنها على حق، فأمر بمنحها وسامًا من المرتبة الثانية. علقت البقرة الوسام حول عنقها، وغادرت القصر بفخر واضح، وهي تسير بخطوات راقصة كأنها حققت أعظم إنجاز.
وفي طريق عودتها، صادفت البغل الذي كان يعمل بجد على نقل أحمال ثقيلة. لاحظ البغل الوسام على عنقها وسألها بدهشة:
“مرحبًا يا أختي البقرة، ما سبب كل هذا الفرح؟ ومن أين لكِ هذا الوسام؟”.
أجابته البقرة بفخر:
“لقد حصلت عليه من السلطان شخصيًا. شرحت له كيف أنني أفيد الوطن بلحمي وحليبي وجلدي وحتى روثي، وأقر بحقي ومنحني الوسام”.
لم يكد البغل ينهي سماع القصة حتى اشتعل غضبًا وقال:
“إن كنتِ قد حصلتِ على وسام، فمن باب أولى أن أحصل على واحد أيضًا! فأنا أعمل أكثر منك، وأتحمل المشقة دون شكوى”.
انطلق البغل نحو القصر، تدفعه حماسته، ووقف عند البوابة مصممًا على مقابلة السلطان. لم يستطع الحراس إقناعه بالمغادرة، فنقلوا الخبر إلى السلطان.
قال السلطان:
“دعوه يدخل، فهو أيضًا من رعيتنا. لنستمع لما لديه”.
دخل البغل إلى القاعة وألقى التحية، ثم قال:
“مولاي، جئت لأطلب وسامًا”.
سأله السلطان بفضول:
“وماذا قدمت للوطن حتى تطلب وسامًا؟”.
أجاب البغل بحماس:
“مولاي، أنا الذي أحمل مدافعكم وبنادقكم في أيام الحرب، وأركب أطفالكم وأغراضكم على ظهري في أيام السلم. بدون جهدي، ما كان يمكن لكم تحقيق أي شيء!”.
اقتنع السلطان بكلامه وأمر بمنحه وسامًا من المرتبة الأولى. غادر البغل القصر فرحًا، والخيلاء يملأه وهو يسير بنعاله الأربعة في طريق العودة.
على الطريق، صادف الحمار، الذي سأله عن سبب فرحه.
أخبره البغل بكل ما حدث، فأصيب الحمار بحماس كبير وقال:
“إذا كانت البقرة والبغل قد حصلا على أوسمة، فأنا أيضًا أستحق واحدًا! سأذهب فورًا إلى السلطان”.
ركض الحمار نحو القصر دون تردد، وصاح الحراس فيه ليعود أدراجه، لكنه أصر على الدخول. اضطر الحراس إلى إبلاغ السلطان، فقال السلطان متأففًا:
“دعوه يدخل. لنسمع ماذا يريد هذا الحمار!”.
وقف الحمار أمام السلطان وقال:
“مولاي، أريد وسامًا”.
سأله السلطان:
“وأنت، ماذا قدمت للوطن؟”.
ابتسم الحمار وقال بثقة:
“مولاي، أعظم الخدمات التي تُقدم للوطن تأتي من أمثالي. أليس مستشاروك الحمير هم من يديرون شؤون الحكم؟ ولو لم تكن رعيتك أيضًا حميرًا، هل كنت ستظل على العرش يومًا واحدًا؟”.
أدرك السلطان أن الحمار، رغم وقاحته، كان محقًا. فقرر أن يمنحه أكثر من مجرد وسام:
“افتحوا له خزائن الإسطبل، وليأخذ منها كما يشاء، فهذا هو نصيبه ونصيب أمثاله من الحمير!”.
غادر الحمار القصر سعيدًا، وأصبح مثالًا يُحتذى به لكل الحمير في الوطن!
من الأدب الساخر لكاتب تركي ع ن